حملات الكراهية التي ترعاها الدول تستدعي مرحلة جديدة من النشاط الاجتماعي

[vc_row css=”.vc_custom_1502032816668{margin-top: 30px !important;padding-top: 30px !important;}”][vc_column][vc_column_text]

22.02.2018

حذَّرت منظمة العفو الدولية اليوم من أن العالم سيعاني من العواقب المروِّعة لخطاب الكراهية الذي يهدد بجعل التمييز الواسع ضد الفئات المهمَّشة أمراً طبيعياً. جاء ذلك مع إصدار التقرير السنوي للمنظمة، الذي يتضمن تقييماً لحالة حقوق الإنسان في العالم. إلا إن المنظمة أشارت في الوقت نفسه إلى تنامي الحركة من أجل العدالة الاجتماعية، والتي يشارك فيها نشطاء محنَّكون جنباً إلى جنب مع نشطاء جدد يخوضون معترك النضال للمرة الأولى، وهو الأمر الذي يبعث على الأمل في التغلب على القمع.

ويقدم التقرير، الذي يحمل عنوان “حالة حقوق الإنسان في العالم” ويغطي 159 بلداً، أشمل تحليل لحالة حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم. وبهذه المناسبة، قال سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية: “لقد اتخذت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، في يناير/كانون الثاني 2017، قراراً ينم عن الكراهية، ويتمثل في منع من ينتمون إلى عدة دول ذات أغلبية إسلامية من دخول أراضيها، وكان من شأن هذا القرار أن يلقي بظلاله على العام الذي شهد قادة بارزين يمضون بسياسات الكراهية إلى أخطر مدى لها.

ومضى سليل شيتي قائلاً: “لقد شهد العالم العواقب الوخيمة عندما يُشجع مجتمع ما على كراهية أبناء الأقليات وتخويفهم وتقديمهم ككبش فداء، وهي العواقب التي تجلَّت بوضوح في الحملة العسكرية المروِّعة للتطهير العرقي، والتي استهدفت طائفة الروهينغيا في ميانمار”.

قادة العالم يتخلون عن حقوق الإنسان، واشتعال حركات الاحتجاج في العالم

وقال سليل شيتي: “إن ظلال الكراهية والخوف تخيم بشدة على الشؤون الدولية في الوقت الراهن، ولا توجد سوى قلة من الحكومات التي تدافع عن حقوق الإنسان في هذه الأوقات الصعبة. وفي المقابل، يوجد زعماء من أمثال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الصيني شي جينبنغ يقوِّضون بلا هوادة حقوق ملايين البشر”.

ومضى سليل شيتي قائلاً: “إن الرد الضعيف على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، التي تقع في مناطق شتى من ميانمار إلى العراق، ومن جنوب السودان إلى سوريا واليمن، تؤكد بجلاء الافتقار إلى قيادة عالمية في مجال حقوق الإنسان. فهناك حكومات تُقدم بلا خجل على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، مهدرةً أشكال الحماية التي اكتُسبت بالعمل الشاق على مدى عقود”.

ومن بين دلائل التراجع التي يسردها التقرير قمع الحق في التظاهر في فرنسا، ومحاولات الانتقاص من حقوق المرأة في بلدان عدة من الولايات المتحدة إلى روسيا وبولندا، ومع الإعلان عن صدور التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية من العاصمة الأمريكية واشنطن، حذَّرت المنظمة من أن خطوات الرئيس ترامب التي تمثل تراجعاً عن حقوق الإنسان سوف ترسي سابقة خطيرة يمكن لحكومات أخرى أن تحذو حذوها.

وقالت مارغريت هوانغ، المديرة التنفيذية لفرع منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة: “يمكن للمدافعين عن حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم أن يتطلعوا إلى مواطني الولايات المتحدة ويطالبونهم بأن يقفوا إلى جوارهم، بالرغم من تقاعس الحكومة الأمريكية. وإذا كان الرئيس ترامب يتخذ إجراءات تُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة وخارجها، فإن النشطاء في مختلف أنحاء الولايات المتحدة يذكروننا بأن الناس في مجتمعاتهم المحلية هم الذين يخوضون غمار النضال من أجل حقوق الإنسان العالمية، وهم الذين ينتصرون في نهاية المطاف”.

وكان من شأن سياسات التراجع عن الحقوق أن تشجع كثيرين على الانخراط في نضالات طويلة الأمد. ويسرد التقرير تفصيلاً كثيراً من الانتصارات المهمة التي ساعد نشطاء حقوق الإنسان على تحقيقها، ومن بينها: رفع الحظر الشامل على عمليات الإجهاض في شيلي، واتخاذ خطوات نحو المساواة في الزواج في تايوان، وتحقيق نصر يُعد علامة بارزة لمناهضة عمليات الإخلاء القسري في مدينة أبوجا بنيجيريا.

وأدت مسيرة نسائية دولية، انطلقت في الولايات المتحدة بالأساس وصاحبتها مسيرات موازية في مختلف أنحاء العالم، إلى إلقاء الضوء على تنامي حركات اجتماعية جديدة، من أمثال حركة “أنا أيضاً” (#MeToo) وحركة “ما من امرأة واحدة تنقص” في أمريكا اللاتينية، وهما حركتان تتصديان للعنف ضد النساء والفتيات.

وقال سليل شيتي: “إن الروح التي لا تُقهر للنساء اللاتي يتزعمن حركات قوية لحقوق الإنسان تُذكرنا بأن التطلع إلى المساواة والكرامة والعدالة لا يمكن أن يخبو. وهناك شعور ملموس بأن حركات الاحتجاج تتصاعد في العالم كله. ووقوف أية حكومات ضد هذه الحركات ينتقص من شرعية هذه الحكومات”.

حرية التعبير تكتسب أهمية قصوى في النضال المتجدد من أجل حقوق الإنسان

وقالت منظمة العفو الدولية إن حرية التعبير ستكون عنصراً أساسياً في ساحة النضال من أجل حقوق الإنسان في العالم الحالي، وهو ما يتضح من إصرار قادة بارزين على صياغة “أخبار ملفَّقة” من أجل التلاعب بالرأي العام، ومن الهجوم على بعض المؤسسات التي تمارس الرقابة على السلطات.

وفي هذا الصدد، قال سليل شيتي: “لن يكون بوسعنا أن نتيقن بأننا سوف نتمتع في عام 2018 بالحرية في التجمع معاً للتعبير عن الاحتجاج أو لانتقاد حكومات. والواقع أن المجاهرة بالرأي سوف تصبح أمراً ينطوي على مخاطر أكبر”.

وقال تقرير منظمة العفو الدولية إن مئات النشطاء قد لقوا مصرعهم في العام الماضي من جراء سعي السلطات في بلدانهم إلى إخراس المناضلين وتكميم الإعلام. وكانت أكثر الدول التي سجنت صحفيين هي تركيا ومصر والصين، حيث تُوفي ليو شياوبو، الحائز على جائزة نوبل للسلام، بعدما سُجن بسبب انتقاد الحكومة. ومع سعي بعض الحكومات بلا خجل إلى ملاحقة نشطاء حقوق الإنسان، واجهت منظمة العفو الدولية مخاطر على أنشطتها في المجر، بالإضافة إلى القبض على العاملين في فرع المنظمة بتركيا، في خطوة غير مسبوقة.

وقال سليل شيتي: “هناك حكومات تعتقد أن بوسعها أن تعلن حرباً مفتوحة على نشطاء حقوق الإنسان. وقد يكون بمقدور هذه الحكومات أن تغلق صحفنا، وأن تقوِّض عمل القضاة، وأن تعتقل النشطاء، ولكننا نرفض أن يتم إخراسنا. وإذا كان هناك من درس نتعلمه من سيرة الناشط الصيني الأسطوري ليو شياوبو، فهو أننا يجب أن نجاهر بالرأي في وجه السلطات، وخاصة عندما يبدو من المستحيل أن يرفع أحد صوته”.

تصاعد خطاب الكراهية مع استهداف أشخاص بسبب هويتهم

يؤكد التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية على ضرورة أن يواصل الناس التعبير جهاراً عن رفضهم للخطاب المفعم بالكراهية، الذي تجلَّى في شعارات تنم عن كراهية الأجانب خلال مسيرة في العاصمة البولندية وارسو، وفي مسيرة نادت بتفوق الجنس الأبيض في مدينة شارلوتسفيل بالولايات المتحدة، وكذلك في حملات القمع التي تستهدف “مجتمع الميم” (المثليون والمثليات وذوو الميول الجنسية الثنائية والمتحولون جنسياً ومزدوجو النوع) في بلدان مثل الشيشان ومصر.

وقد تأكد ذلك من خلال حملات تشويه سمعة اللاجئين والمهاجرين، والتي شنَّها مسؤولون في أعلى مستويات الحكم. وإذا كانت إدارة الرئيس ترامب قد تصدرت الصفوف بخطابها المعادي للاجئين، فإنها، حسبما يرى تقرير منظمة العفو الدولية، لم تكن الوحيدة التي تبنَّت سياسات معادية للأجانب.

وتعليقاً على ذلك، قال سليل شيتي: “ربما تكون سياسات الرئيس دونالد ترامب قد مثَّلت مرحلة جديدة من التدهور في مجال حقوق الإنسان، إلا إنها ليست فريدة من نوعها. فيكفي أن ينظر المرء حوله، من أستراليا إلى المجر، ليجد قادة طالما عاملوا اللاجئين والمهاجرين باعتبارهم مشكلات ينبغي التخلص منها، وليس باعتبارهم بشراً لهم حقوق ومن الواجب أن نتعاطف معهم”.

يجب على الحكومات أن تعالج أشكال الظلم المستعرة التي تؤجج حركات الاحتجاج

يلاحظ تقرير منظمة العفو الدولية أيضاً أن ملايين الناس في مختلف أرجاء العالم يواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على السلع والخدمات الأساسية، مثل السكن والغذاء والرعاية الصحية. وحذَّرت منظمة العفو الدولية من أن العالم قد يشهد مزيداً من القلاقل إذا لم تبادر الحكومات بمعالجة الأسباب الأساسية وراء الفقر وعدم المساواة.

وتعليقاً على ذلك، قال سليل شيتي: “في شتى أنحاء العالم، يُجبر أناس على العيش في ظروف لا تُحتمل، لأنهم محرومون من سبل الحصول على الغذاء الكافي والمياه النظيفة والرعاية الصحية والمأوى. ولا شك أن الحرمان من هذه الحقوق الإنسانية يؤدي إلى إشاعة اليأس بلا حدود ولا نهاية. فمن فنزويلا إلى إيران، نشهد انتشاراً هائلاً للسخط الاجتماعي”.

وقالت منظمة العفو الدولية إنه يتعين على حكومات العالم أن تعمل على معالجة بواعث القلق هذه بدلاً من السعي إلى إخراس من يجاهرون بآرائهم، وأن تبدأ في تخفيف القيود على الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من الجهات التي تُعد عناصر أساسية في الرقابة على السلطات.

واختتم سليل شيتي تصريحه قائلاً: “إننا نشهد كتابة صفحة جديدة من صفحات التاريخ، حيث ينهض الناس في أماكن شتى ويطالبون بالعدالة بأعداد كبيرة. وإذا لم يدرك قادة الدول الأسباب التي تدفع الناس إلى الاحتجاج، فليس لهم أن يلوموا سوى أنفسهم. لقد أوضح الناس بجلاء أنهم يريدون حقوقهم، وعلى الحكومات أن تثبت أنها تنصت إلى أصواتهم”.

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]