الولايات المتحدة الأمريكية/الصومال: السرية التي تكتنف مقتل المدنيين تخفي جرائم حرب محتملة

[vc_row full_width=”stretch_row_content_no_spaces”][vc_column][vc_single_image image=”6773″ img_size=”full” label=””][/vc_column][/vc_row][vc_row][vc_column][vc_column_text]

قالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها اليوم إنه يجب على الحكومة الأمريكية إجراء تحقيقات محايدة وشاملة في أدلة موثوقة بأن غاراتها الجوية المتصاعدة حدتها بسرعة في الصومال أودت بحياة العديد من المدنيين.

يوضح التقرير المعنون: “الحرب الأمريكية المخفية في الصومال” كيف قُتل 14 مدنياً وجرح ثمانية آخرون في خمس غارات فقط من أكثر من 100 غارة نُفذت في العامين الماضيين. ونُفذت هذه الغارات الخمس بطائرات دون طيار من نوع ريبر وطائرة مزودة بطيار في محافظة شبيلي السفلى، وهي منطقة خاضعة إلى حد كبير لـ”حركة الشباب” خارج العاصمة الصومالية مقديشو. ويبدو أن الهجمات قد انتهكت القانون الإنساني الدولي، وقد يصل بعضها إلى جرائم حرب.

عند وُوجهت قيادة الولايات المتحدة في إفريقيا (أفريكوم) بنتائج منظمة العفو الدولية، كررت إنكارها مقتل أي مدنيين في عملياتها في الصومال.

قال برايان كاستنر، كبير مستشاري برنامج الأزمات بشأن الأسلحة والعمليات العسكرية، في منظمة العفو الدولية: “إن عدد القتلى المدنيين الذين اكتشفناهم في عدد قليل من الضربات الجوية يشير إلى أن السرية التي تحيط بالدور الأمريكي في حرب الصومال هو في الواقع ما هي إلا ذريعة للإفلات من العقاب”.

“فنتائجنا تتناقض بشكل مباشر مع شعار الجيش الأمريكي المتمثل في عدم سقوط ضحايا مدنيين في الصومال. ويبدو هذا الادعاء بمثابة خيال عندما تأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة قد ضاعفت غاراتها الجوية في جميع أنحاء البلاد ثلاثة أضعاف منذ عام 2016، متجاوزة عدد غاراتها في ليبيا واليمن مجتمعين”.

وخلال التحقيق، سافر باحثو منظمة العفو الدولية إلى الصومال، وأجرى أكثر من 150 مقابلة مع شهود العيان والأقارب والأشخاص النازحين بسبب القتال، والمصادر ذات الخبرة – بما في ذلك في الجيش الأمريكي – وقاموا بتحليل الأدلة الداعمة بدقة، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية وشظايا الذخيرة، والصور إثر الضربات الجوية.

ازدياد الضربات بعد إضعاف ترامب للضمانات

ارتفع عدد الضربات الأمريكية في الصومال بعد 30 مارس/آذار 2017، عندما وقع الرئيس ترامب على أمر تنفيذي يعلن جنوب الصومال “منطقة عمليات عدائية فعلية”.

نفذت القوات الأمريكية 34 غارة في الصومال في الأشهر التسعة الأخيرة من 2017 – أكثر مما كانت عليه في السنوات الخمس بأكملها من 2012 إلى 2016. وزادت مرة أخرى في 2018، إلى 47 غارة؛ وكان هناك بالفعل 24 غارة في أول شهرين من عام 2019 وحده.

وفقًا للعميد الجنرال الأمريكي المتقاعد الذي تحدثت إليه منظمة العفو الدولية، قلل هذا الأمر من العبء على الجيش الأمريكي لضمان عدم قتل المدنيين في الغارات الجوية. ومما يدعو إلى القلق، أن الجنرال يعتقد أيضًا أن الأمر التنفيذي وسّع شبكة الأهداف المحتملة ليشمل أي شخص بالغ يعيش في قرى متعاطفة مع “حركة الشباب”، ويُشاهد بالقرب من المقاتلين المعروفين. إن الإذن بتوسيع الأهداف هذا ينتهك القانون الإنساني الدولي، ويؤدي إلى القتل غير المشروع للمدنيين.

على سبيل المثال، في هجوم على قرية فرح وايس، تدعي أفريكوم أن “جميع الأفراد الذين أصيبوا أو قُتلوا كانوا أعضاء في “حركة الشباب” أو منتسبين إليها”، بينما وثقت منظمة العفو الدولية مقتل رجلين مدنيين، وجرح خمس نساء وأطفال، بالإضافة إلى الإصابات في “حركة الشباب”.

أدلة دامغة على وقوع خسائر بين المدنيين

كشفت منظمة العفو الدولية عن أدلة دامغة على أن الغارات الجوية الأمريكية قتلت ما مجموعه 14 مدنياً، وأصابت ثمانية آخرين، في خمس هجمات، ربما تكون قد انتهكت القانون الإنساني الدولي، ويمكن أن تشكل، في بعض الحالات، جرائم حرب. ووردت أنباء تفيد بسقوط المزيد من الضحايا المدنيين بغارات أخرى لا يمكن تأكيدها بما يكفي لإدراجها في التقرير.

ففي إحدى الحالات، أسفرت غارة جوية أمريكية على أرض زراعية بالقرب من قرية دار السلام عن مقتل ثلاثة مزارعين محليين في ساعات الصباح الباكر من يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وكانوا يستريحون في العراء بعد العمل خلال الليل في حفر قنوات الري.

وفي حوالي الساعة الثالثة صباحًا، استهدفتهم غارة جوية دون سابق إنذار؛ وأدى الانفجار إلى هروب مزارعين آخرين بحثًا عن الأمان، وأيقظوا سكان قريتين قريبتين. ووصف القرويون، الذين ذهبوا لاستعادة الجثتين مع بزوغ نور الصباح، الإصابات المروعة للرجلين.

في وقت لاحق، قامت منظمة العفو الدولية بتحليل الأدلة الفوتوغرافية للجثث التي تتفق مع شهادات شهود العيان. فقد تشوهت جثتا الرجلين بشدة. ودخلت قطعة كبيرة من شظايا الذخيرة جبين الرجل الأول، مما أدى إلى تصدع جمجمته؛ ونسفت ذراعاه إلى الوراء، وتمزقت تقريبًا، إلا من قشرة رقيقة من الجلد. أما وجه الرجل الثاني، وحلقه وصدره، فقد أصبتها ثقوب بسبب شظايا ذخائر متعددة. وأصيب الرجل الثالث بجرح كبير في جنبه، وضربة صغيرة في رأسه، أعلى العين اليمنى.

وقال أحد المزارعين من قرية دار السلام لمنظمة العفو الدولية: “كان صوت الطائرة أعلى من ذي قبل، في اليوم الذي وقع فيه الهجوم. ففي الأسابيع السابقة، اعتادت المجيء والمغادرة، وفي تلك الليلة فقط لم تغادر. كان تأتي وتأتي وتأتي. وعندما حدث الصوت [ضربة جوية]، توقف كل شيء … كنت خائفًا للغاية. لم أستطع مراقبة المزرعة على الإطلاق. لجأت إلى ملجأ تحت الشجرة واختبأت … هؤلاء الشباب الثلاثة لم يتوقعوا أن يقتلوا بالطائرة، ولم نتوقع أن يصمت العالم إزاء هذا الأمر”.

وكما في الحالات الأخرى التي حققت فيها منظمة العفو الدولية، حدد العديد من السكان المحليين الضحايا بأنهم مدنيون وليسوا مقاتلين من “حركة الشباب”.

سمحت صور المزارعين الثلاثة القتلى والمنطقة المحيطة بها لفريق التحقق الرقمي التابع لمنظمة العفو الدولية بتحديد موقع الغارة الجوية.

كما أنها تقدم أدلة مهمة أخرى، مثل تفتت التربة، والحفرة التي يبلغ ارتفاعها متر واحد، التي سببتها الذخيرة شديدة الانفجار، فضلاً عن شظايا الذخائر التي من الواضح أنها من ذخيرة من طراز GBU-69/B Small Glide Munition. ولا يمكن إطلاق هذا النوع من الأسلحة إلا من طائرة AC-130 التابعة لسلاح الجو الأمريكي، وهي غالبًا ما تستخدم في الدعم الجوي المباشر للمشاة، وليس في غارات جوية معزولة. ولم تشاهد في الصومال منذ أكثر من عشر سنوات، ويمثل وجود الطائرة تصعيدًا للنزاع. ولم تبلغ أفريكوم عن استخدام طائرات AC-130، لكنها أكدت أنها نفذت غارة جوية في منطقة شبيلي السفلى في حوالي الساعة الثالثة صباحًا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، زاعمة أنها قتلت “عدة” مسلحين.

وفي حالة أخرى، قُتل خمسة مدنيين، بينهم طفلان، عندما انفجرت شاحنة يشتبه في أنها من “حركة الشباب” أثناء مرورها عبر قرية إيليمي في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017. وتظهر صور الأقمار الصناعية أن ما يصل إلى 10 مبان قد دُمرت جزئيًا في الانفجار، وأدى ذلك إلى اندلاع الحرائق.

سمع صديق لأحد الذين قتلوا في الانفجارَ الذي وقع في فرسولي، وهي قرية تبعد 14 كم: “لقد كان ضخماً … خلال حوالي خمس دقائق، استطعت رؤية دخان مظلم كبير يتصاعد. قلنا جميعًا حدث شيء فظيع حقًا … هرعت إلى مكان الحادث … [الشاحنة] دمرت بالكامل. تم إحراق القرية بأكملها. كما تم حرق جميع الأشجار القريبة. كان هناك حفرة كبيرة حيث أصيبت [الشاحنة]. ”

في حين أن أفريكوم تنفي بشكل قاطع شن الهجوم على إيليمي، إلا أن هناك أدلة دامغة على تنفيذ غارة جوية، وقد تكون وكالة أمنية أمريكية مسؤولة عنها.

ذكرت تقارير إعلامية وشهود عيان أن الانفجار وقع عندما أطلقت ذخيرة على الشاحنة من الجو. ويتذكر شهود العيان رؤية أو سماع طائرة سواء قبل الهجوم أو بعده، وقد فحصت منظمة العفو الدولية صور الأقمار الصناعية التي تتفق مع أن الغارة الجوية هي التي تسببت في الانفجار.

من المرجح ارتفاع عدد القتلى

من المعروف أن القوات الأمريكية قد نفذت 76 غارة جوية أخرى في الصومال خلال الفترة التي فحصتها منظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى 24 في الشهرين الأولين من 2019، وبالتالي فإن عدد القتلى المدنيين قد يكون أعلى بكثير.

أما بالنسبة للصوماليين المتضررين من الغارات الجوية الأمريكية، فقد كانت فرص الحصول على العدالة ضئيلة، إن توفرت أصلاً. ويكاد يكون من المستحيل الإبلاغ عن مقتل أو إصابة أفراد الأسرة أو المجتمع، بالنظر إلى موقع هذه الهجمات والمخاطر الأمنية المرتبطة بالقيام بذلك.

وقالت إيلا نايت، الباحثة في الشؤون العسكرية والأمنية والشرطية في منظمة العفو الدولية: “يتعين على حكومة الولايات المتحدة ضمان إجراء تحقيقات في جميع الادعاءات الجديرة بالتصديق بوقوع إصابات بين المدنيين، مع محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم التعويضات للضحايا والناجين”.

“ويتعين على كل من الولايات المتحدة والحكومات الصومالية وضع حد لغياب الشفافية، ويجب عليها بذل المزيد من الجهد لتمكين المجتمعات المتأثرة من الإبلاغ عن الضحايا المدنيين – وبدون ذلك، من المرجح أن يظل تحقيق العدالة أمراً بعيد المنال”.

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]