الجزائر: 2019، سنة تميزت بتعبئة شعبية استثنائية

تميَّزَ عام 2019 بالحراك، وهي حركة احتجاج لم يسبق لها مثيل في حجمها وتدعو إلى “تغيير النظام السياسي” وترسيخ دولة القانون”.

صرّحت منظمة العفو الدولية، يوم الثّلاثاء 18 فبراير، بمناسبة إصدار تقريرها عن حالة حقوق الإنسان في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2019 ان غالبية المظاهرات كانت مسموحة في جميع أنحاء الوطن، بما في ذلك في الجزائر العاصمة، غير ان السلطات لجأت مرارا إلى استخدام القوة بصورة غير مبررة أو مفرطة، وحظر الأماكن العامة أو الدخول إلى العاصمة، والاعتقالات التعسفية والمستهدفة في ولايات مختلفة.

تم الحكم على متظاهرين سلميين بالسجن لمدة تصل إلى 18 شهرا. كما تم حظر عدة اجتماعات تتعلق بحركة الاحتجاج.

تعقيبا على هذا، قالت حسينة اوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية الجزائر: “منذ 22 فبراير2019، كانت التعبئة السلمية مبهرة وتاريخية. خرج الرجال والنساء والشباب والشيوخ والطلاب والمحامين والصحفيين، جميعهم في الشوارع في جميع أنحاء الوطن للتعبير عن مطالبهم بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة. ورغم كل المحاولات الرامية إلى إضعاف الحراك وتقسيمه، ظل الجزائريون موحّدون ويتظاهرون بسلمية. وقبل بضعة أيام من الذكرى السنوية الأولى لبداية الحراك نتوقع تحركات قوية من طرف السلطات للحد من الممارسات التي تتعارض مع حقوق الإنسان”.

ومنذ بداية الحراك، وثّقت منظمة العفو الدولية استخدام القوة المفرطة خلال بعض المظاهرات. أثناء مظاهرة 12 افريل 2019 في الجزائر العاصمة، قام ضباط الشرطة بضرب متظاهر سلمي، رمزي يتو، الذي توفي في المستشفى بعد أسبوع. وفقد متظاهرون سلميون آخرون أعينهم. كما وثقت منظمة العفو الدولية خمس حالات على الأقل لمعتقلين كانوا ضحايا سوء المعاملة، بما في ذلك الناشط السياسي كريم طابو، الذي مازال رهن الحبس الانفرادي.

وفي 28 ماي، توفّي الناشط كمال الدين فخار بعد إضراب عن الطعام استمر مدة 50 يوما احتجاجا على سجنه التعسفي وغير القانوني بسبب منشوراته في موقع فايسبوك.

قالت حسينة اوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية الجزائر: “يجب أن تكون التحقيقات معمقة، مستقلة و محايدة حول وفاة رمزي يتو وكمال الدين فخار و لكل من تعرضوا لسوء المعاملة خلال المظاهرات أو أثناء اعتقالهم ولا سيما من لديهم جروح تلازمهم مدى الحياة. كل الضحايا لديهم الحق في العدالة والتعويض ولابد من تقديم المسؤولين عن هذه الإنتهاكات إلى العدالة”.

تكميم حرية التعبير

منذ 22 فبراير 2019، تم اعتقال مئات الأشخاص بشكل تعسفي في عدة ولايات. ومنذ نهاية جوان كثّفت السلطات من القمع عن طريق اعتقالات تعسفية ومتابعات قضائية للمتظاهرين السلميين. وقد تم اعتقال اشخاص بسبب رفعهم للعلم الأمازيغي أثناء المظاهرات، ووجهت لهم تهمة “المساس بسلامة وحدة الوطن”.

وابتداء من سبتمبر، قامت السلطات بتنفيذ موجة من الاعتقالات التي تستهدف أساسا الناشطين السياسيين والناشطين الجمعويين، و اتّهمتهم بـ ” احباط معنويات الجيش” أو “التحريض على التجمع غير المسلح”. كما استخدم هذا الاتهام على نطاق واسع في الموجة الثالثة من الاعتقالات والمتابعات القضائية التي تعرض لها المتظاهرين المعارضين للانتخابات الرئاسية.

وبعد انتخابات 12 ديسمبر، واصلت السلطات اعتقال متظاهرين سلميين وتم وضعهم رهن الاحتجاز لمدة تتراوح بين ساعتين و48 ساعة قبل إطلاق سراحهم وتم وضع البعض منهم تحت الرقابة القضائية.

قالت حسينة اوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية الجزائر: “وبعد أشهر من التعبئة، تم إطلاق سراح عدة متظاهرين بعد استكمال مدة عقوبتهم، والحكم على آخرين بأحكام سجن غير نافذة أو تبرئة بعضهم. يجب الإفراج فورا ودون شروط عن جميع الأشخاص المحتجزين بسبب تظاهرهم سلميا أو التعبير عن آرائهم بطريقة سلمية. ما كان ينبغي لهؤلاء المتظاهرين قضاء ولو ليلة واحدة في السجن. لا ينبغي إلقاء القبض على أحد أو محاكمته أو إدانته بسبب التعبير عن رأيه بطريقة سلمية. تتمثل المهمة الأساسية لقوات الأمن في ضمان الأمن أثناء المظاهرات السلمية. إن الحق في التظاهر مضمون بموجب الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الجزائر”.

التلاعب بالقضاء

لم تحترم ضمانات الحق في محاكمة عادلة، بينما يكفل الدستور والنصوص الدولية التي صادقت عليها الجزائر لكل شخص الحق في أن يحاكم من طرف محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة.

قام ضباط، غالبا ما يرتدون الزي المدني، بإلقاء القبض على متظاهرين وناشطين من دون أمر قضائي في الأماكن العامة.

وقد تم وضع عدد كبير من الأشخاص رهن الحبس الاحتياطي، بينما تؤكد المادة 59 من الدستور الطابع الاستثنائي للحبس الاحتياطي.

كثيراً ما استُخدِمت فقرات قانون العقوبات، التي تتسم صياغتها بالغموض، مثل ” المساس بالأمن الوطني ” أو ” المساس بسلامة وحدة الوطن ” أو ” إحباط معنويات الجيش ” أو “التحريض على التجمهر غير المسلح”، لقمع المعارضة السلمية.

قالت حسينة اوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية الجزائر: “إن جميع هذه الانتهاكات للحق في محاكمة عادلة تمس بشكل خطير بالمبادئ الأساسية للإنصاف والمساواة للجميع أمام القانون، ممّا يعزز من فقدان ثقة المواطنين في العدالة، في حين تؤكد إحدى الشعارات القوية التي رفعت خلال الحراك أن ‘الشعب يريد عدالة مستقلة.’ “

حرية الصحافة مهددة

وفي عام 2019، تم اعتقال ما لا يقل عن 10 صحفيين كانوا يغطون الاحتجاجات، تم استجوابهم حول عملهم واحتجزوا لعدة ساعات. كما اعتقل أربعة صحفيين أجانب وتم ترحيلهم. ولا يزال ثلاثة صحفيين على الأقل قيد الاحتجاز. و في جوان، حجبت السلطات بعض المواقع الاخبارية مثل “كل شيء عن الجزائر” “انتيرلني” و “الجيري بارت” لمراقبة تغطيتهم للمظاهرات، على ما يبدو.

قالت حسينة اوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية الجزائر: “من المهم أن يتمكن الصحفيون من تغطية المظاهرات دون أن يتعرضوا للرقابة والمضايقة والتخويف والخوف من الاعتقال. فالمادة 50 من الدستور الجزائري تضمن حرية الصحافة وتنص على أنه لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية.”

حقوق الإنسان في قلب الحراك

منذ بداية الحراك، كان احترام حقوق الإنسان في صميم مطالب حركة الاحتجاج، التي تعتبر استمرارية لنضالات اجتماعية. ويطالب المتظاهرون السلميون بدولة القانون وعدالة مستقلة، واحترام الحريات الأساسية وعدالة اجتماعية، والمساواة، واحترام كرامة كل فرد. فقد أدركوا أن بإمكانهم إحداث التغيير عن طريق التعبئة الجماعية.

قالت حسينة اوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية الجزائر: “الحراك يذكّر الدولة الجزائرية بالتزاماتها الدولية التي تعهّدت بها في مناسبات عديدة في هيئات دولية أو إقليمية. وفي خطاب تنصيبه تعهد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بالاستجابة لمطالب الحراك. لقد حان الوقت للانتقال من الأقوال إلى الأفعال”.

معلومات أكثر:

يبين تقرير منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2019 أن الحكومات اختارت ألا تُنصت إلى أصوات المتظاهرين التي تحتج على مظالم شتى، ولجأت بدلاً من ذلك إلى القمع الوحشي لإسكات الاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي.

ادى القمع الوحشي للاحتجاجات الى مقتل أكثر من 500 شخص في العراق وأكثر من 300 اخرين في إيران. تم كذللك حبس ما لا يقل عن 136 من سجناء الرأي في 12 بلد بسبب تعليقات على الإنترنت.

قالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لقد كان عام 2019 عام التحدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما كان عاماً أظهر أن الأمل لا يزال حياً، وأنه رغم الأحداث الدامية التي أعقبت انتفاضات عام 2011 في سوريا واليمن وليبيا، ورغم التدهور الكارثي لوضع حقوق الإنسان في مصر، فقد تجددت ثقة الناس في قدرة العمل الجماعي على حشد الجهود من أجل التغيير”.