الجزائر: حملة القمع تقوِّض عملية الإصلاح الدستوري

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن حملة القمع والاعتقالات التعسفية الواسعة التي تشنُّها السلطات الجزائرية بلا هوادة ضد النشطاء والمتظاهرين تهدد بتقويض مصداقية عملية الإصلاح الدستوري في الجزائر. وكانت اللجنة التي عيَّنها الرئيس الجزائري قد انتهت من إعداد “مشروع تمهيدي لتعديل الدستور”، وسوف تقدمه للرئيس لإقراره نهائياً.

وفي مذكرة أُرسلت إلى السلطات الجزائرية، أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها بشأن عدد من المواد في “المشروع التمهيدي” للتعديلات الدستورية المُقترحة، مثل المواد المتعلقة بالحق في التعبير، والحق في التجمع، والحق في الحياة؛ بينما رحَّبت المنظمة ببعض المواد التي اتسمت بصياغات قوية بشأن حقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وتتناقض حملة القمع مع وعد الرئيس عبد المجيد تبون، عندما تولى مقاليد الحكم في العام الماضي، بأن يعمل على “تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان”، عن طريق إجراء تعديلات دستورية أساسية.

إذا كانت السلطات الجزائرية ترغب في أن تُؤخذ عملية إعادة صياغة الدستور التي تقوم بها على محمل الجد، فإنه يتعيَّن عليها الكف عن القبض على نشطاء المعارضة، والإفراج عمن احتُجزوا أو حُكم عليهم دونما سبب سوى ممارسة حقهم في حرية التعبير وحرية التجمع.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية:

وأضافت هبة مرايف قائلةً: “في وقت يرزح فيه خلف قضبان السجون نشطاءٌ سلميون من المجتمع المدني والنشطاء السياسيين، بالإضافة إلى صحفيين، تأتي مسوَّدة تعديل الدستور للتذكرة بأن الواقع أبعد ما يكون عن وعود السلطات التي لم تتحقق، بأن تنصت إلى أصوات الحركة الاحتجاجية المعروفة باسم الحراك”.

الإصلاح الدستوري

منذ أن أعلن الرئيس عبد المجيد تبون، إثر انتخابه، عن إجراء إصلاحات دستورية، في ديسمبر/كانون الأول 2019، كان هناك افتقار كامل للشفافية بخصوص هذه العملية وإطارها الزمني. وبدلاً من نشر نسخة من “المشروع التمهيدي لتعديل الدستور” على الإنترنت ليكون متاحاً للعموم، أعلنت السلطات أنها أرسلت نسخاً إلى مجموعة مُنتقاة من الشخصيات والجماعات لإبداء تعليقاتها عليه.

ويُذكر أن الجزائر دولة طرف في عدد من معاهدات حقوق الإنسان، من بينها “الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

وقد جاءت بعض التعديلات المقترحة قاصرةً عن الوفاء بالمعايير الإنسانية لحقوق أخرى من حقوق الإنسان، مثل الحق في الحياة، حيث تبقي هذه التعديلات الباب مفتوحاً لإمكان العودة إلى فرض عقوبة الإعدام. ومن شأن التعديلات المقترحة أن تعزز صلاحيات “المجلس الأعلى للقضاء”، وهو هيئة إشرافية تتمتع بالاستقلال الإداري، إلا إن الحكومة سوف تستمر في الاحتفاظ بصلاحيات كبيرة للهيمنة على النظام القضائي، بما في ذلك احتفاظ رئيس الجمهورية برئاسة “المجلس الأعلى للقضاء”، ومنحه صلاحية التعيين المباشر لمن يشغلون مناصب قضائية مهمة.

كما ينصُّ “المشروع التمهيدي لتعديل الدستور” على أن حرية الصحافة لا تُقيَّد بأي شكل من أشكال الرقابة المُسبقة، ولكنه يجعل هذه الحرية مشروطةً باحترام “ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية” والعمل في إطار القانون. وهذان الشرطان يُبقيان الباب مفتوحاً أم السلطات للانقضاض على الصحفيين وغيرهم ممن ينتقدون السلطات. وبالرغم من النصِّ على ضمان حرية التعبير، فإنها تظلُّ مشروطةً بالقانون المحلي، مما يتيح اللجوء إلى قوانين قمعية، من قبيل التعديلات التي أُدخلت على “قانون العقوبات” واعتُمدت في أفريل/نيسان 2020، وهي تعديلات تُجرِّم نشر “أخبار كاذبة”، وتعاقب على ذلك بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

ويكفل “المشروع التمهيدي لتعديل الدستور” المقترح الحق في التجمع السلمي، إلا إنه ينصُّ هنا أيضاً على أن “يحدد القانون كيفية” ممارسة هذا الحق. ويفرض القانون الجزائري عقوبات جنائية على “التجمهر غير المسلح”، وهي تهمة كثيراً ما تُستخدم لاعتقال ومحاكمة معارضين سلميين.

خلفية

في يوم الجمعة 19 جوان 2020، تجَّددت مظاهرات الحركة الاحتجاجية المعروفة باسم “الحراك”، حيث قبض أفراد الشرطة على ما لا يقل عن 500 متظاهر في 23 مدينة، وفقاً لما ذكرته “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان”. وقد أُفرج عن كثيرين منهم بدون توجيه تهم إليهم، ولكن ما لا يقل عن 70 منهم قُدموا للمحاكمة بموجب بنود من قانون العقوبات، من قبيل “التحريض على تجمهر غير مسلح”، و”تعريض حياة آخرين للخطر” خلال فترة انتشار وباء، وهي تهم قد تؤدي إلى الحكم عليهم بالسجن لمدد تصل إلى خمس سنوات. وأمرت محاكم شتى في الجزائر بوضع ما لا يقل عن 12 من هؤلاء السبعين رهن الحبس المؤقت.

وفي 21 جوان 2020، قضت محكمة في مدينة شراقة بإدانة أميرة بوراوي، وهي طبيبة وناشطة وزعيمة حركة “بركات” (بمعنى “كفى”) الاحتجاجية، التي كانت تعارض في عام 2014 سعي الرئيس الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة للترشح لولاية رئاسية رابعة، وحكمت عليها المحكمة بالسجن لمدة سنة بسبب تعليقات على الإنترنت انتقدت فيها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.

وبحلول 21 جوان، كان ما لا يقل عن 69 ناشطاً لا يزالون رهن الاحتجاز دونما سبب سوى تعبيرهم عن آرائهم عبر الإنترنت، أو المشاركة في مظاهرات سلمية، ومن بينهم شخصيات سياسية من نشطاء “الحراك” ونشطاء المجتمع المدني، مثل كريم طابو وسمير بلعربي.