نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظرة على عقود من القمع والهيمنة

في مايو/أيار 2021، تظاهرت عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح، في القدس الشرقية المحتلة، احتجاجاً على خطة إسرائيل لإخلائهم قسراً من منازلهم من أجل إفساح المجال لمستوطنين يهود. وكثير من أبناء هذه العائلات لاجئون، استقروا في حي الشيخ جراح بعد أن هُجّروا قسراً لدى قيام إسرائيل كدولة في عام 1948. ومنذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية وباقي الضفة الغربية في عام 1967، استهدفت السلطات الإسرائيلية بشكل مستمر الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، حيث تستخدم قوانين تتسم بالتمييز من أجل تجريد الفلسطينيين بشكل منهجي من أراضيهم ومنازلهم لمصلحة اليهود الإسرائيليين.

واستجابةً لمظاهرات العائلات في حي الشيخ جراح، خرج آلاف الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في مظاهرات، دعماً لتلك العائلات واحتجاجاً على ما يعانونه بشكل مشترك من التفتيت والعزل ونزع الملكية. وقُوبلت هذه المظاهرات بالقوة المفرطة والمميتة من جانب السلطات الإسرائيلية، مما أسفر عن إصابة واعتقال الآلاف.

وكانت أحداث مايو/أيار 2021 بمثابة مثال للقمع الذي يتعرض له الفلسطينيون يومياً على مدى عقود. وتُعد إجراءات التمييز ونزع الملكية وقمع المعارضة، فضلاً عن أعمال القتل والإصابة، جزءاً من نظام يُقصد منه منح اليهود الإسرائيليين امتيازات على حساب الفلسطينيين.

هذا فصل عنصري.

يُظهر تحقيق جديد لمنظمة العفو الدولية أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها: في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ضد اللاجئين الفلسطينيين، من

أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين. ويرقى هذا النظام إلى مستوى الفصل العنصري، الذي يحظره القانون الدولي.

وكان من شأن القوانين والسياسات والممارسات التي تهدف إلى إدامة نظام قاسٍ من السيطرة على الفلسطينيين أن تشتتهم جغرافياً وسياسياً، وتجعلهم يعيشون في حالة دائمة من الخوف وانعدام الأمن، فضلاً عن الفقر في كثير من الأحيان.

ما هو الفصل العنصري؟

يُعتبر الفصل العنصري انتهاكاً للقانون الدولي العام، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمةً ضد الإنسانية بموجب القانون الجنائي الدولي.

وقد استُخدم مصطلح “أبارتهايد” في الأصل للإشارة إلى نظام سياسي في جنوب إفريقيا تمثل في فرض التفرقة العرقية والهيمنة والقمع بشكل صريح من جانب فئة عرقية على فئة أخرى. ومنذ ذلك الحين، اعتمد المجتمع الدولي هذا المصطلح لإدانة وتجريم مثل هذه الأنظمة والممارسات أينما تقع في العالم.

وبموجب “اتفاقية الفصل العنصري” و”نظام روما الأساسي” والقانون الدولي العُرفي، فإن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري تقع عندما يُرتكب أي عمل لاإنساني أو وحشي (وبخاصة أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان) في سياق نظام مؤسسي من القمع والهيمنة بصورة منهجية من جانب فئة عرقية على فئة عرقية أخرى، بقصد إدامة هذا النظام.

ويمكن فهم الفصل العنصري باعتباره نظام معاملة قاسية تتسم بالتمييز بشكل منهجي ومستديم من جانب فئة عرقية ما تجاه أفراد فئة عرقية أخرى، بقصد الهيمنة على الفئة العرقية الأخرى.

أعدت منظمة العفو الدولية دورة تعليمية مجانية مدتها 90 دقيقة تحت عنوان “تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المعادي للفلسطينيين”. لمعرفة المزيد عن جريمة الفصل العنصري في القانون الدولي، وملامح الفصل العنصري في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأثيره على حياة الفلسطينيين، بادروا بالتسجيل في الدورة التعليمية في أكاديمية حقوق الإنسان التابعة لمنظمة العفو الدولية.

ABBAS MOMANI/AFP/Getty Images)

لماذا تطلق منظمة العفو الدولية الحملات ضد الفصل العنصري؟

لا أعرف لماذا يراقب العالم كله لغاية الآن ما يجري ويدع إسرائيل تفلت بفعلتها. لقد آن الأوان كي يكفّوا عن تدليل إسرائيل

نبيل الكرد، أحد السكان الذين يتهددهم خطر الإخلاء القسري من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية

إن نظام الفصل العنصري أمر غير مقبول في أي مكان في العالم، فلماذا يقبل العالم ممارسته ضد الفلسطينيين؟

لطالما تجاهل المجتمع الدولي حقوق الإنسان عند التعامل مع ما يكابده الفلسطينيون من معاناة ومشقة على مدى عقود. وقد ظل الفلسطينيون الذين يواجهون وحشية القمع الإسرائيلي يطالبون، على مدى أكثر من عقدين، يطالبون بتعريف الحكم الإسرائيلي كنظام فصل عنصري. وعلى مر السنين، بدأ يتشكل اعتراف عالمي أوسع بأنّ معاملة إسرائيل للفلسطينيين ما هي إلا نظام فصل عنصري.

إلا إن الحكومات التي تتحمل مسؤولية ولديها من القوة والنفوذ ما يتيح لها التحرك بشكل ما، رفضت اتخاذ أي إجراءات مجدية لمحاسبة إسرائيل، واختارت بدلاً من ذلك أن تتستر وراء عملية سلام متداعية على حساب مبادئ حقوق الإنسان والمساءلة. وللأسف، لا يوجد بوادر لإيجاد حل عادل في الوقت الراهن باتجاه، إنما ثمة تدهور في حالة حقوق الإنسان بالنسبة للفلسطينيين.

وتطالب منظمة العفو الدولية إسرائيل بإنهاء هذه الجريمة الدولية المتمثلة في الفصل العنصري، عن طريق تفكيك إجراءات الشّرذمة والعزل والتمييز والحرمان التي تُمارَس في الوقت الحالي ضد الفلسطينيين.

طالبوا إسرائيل بتدمير الفصل العنصري وليس منازل الفلسطينيين

وقعوا العريضة

“إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها… [بل] هي الدولة القومية للشعب اليهودي فقط.” رسالة نشرها على الإنترنت، في مارس/آذار 2019، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو.

نظام القمع والهيمنة الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين

منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، عكفت الحكومات المتعاقبة على إنشاء وإدامة نظام من القوانين والسياسات والممارسات التي تهدف إلى قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم. ويتبدى هذا النظام بأشكال متباينة في شتى المناطق التي تمارس فيها إسرائيل السيطرة على حقوق الفلسطينيين، ولكن هدفه واحد في كل الحالات، ألا وهو: منح امتيازات لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين.

وقد فرضت إسرائيل هذا النظام من خلال 4 استراتيجيات أساسية:

نزع ملكية الأراضي والعقارات: على مدى عقود من الاستيلاء على الأراضي والممتلكات، وهدم المنازل، وعمليات الإخلاء القسري، بشكل يتسم بالتمييز.

العزل والسيطرة: وهو نظام من القوانين والسياسات التي تُبقي الفلسطينيين محصورين داخل معازل، وخاضعين لإجراءات عدة تسيطر على حياتهم، وتعزلهم عن اليهود الإسرائيليين.

تقسيم الفلسطينيين بين مناطق منفصلة تخضع للسيطرة: يتمثل جوهر ذلك النظام في إبقاء الفلسطينيين معزولين عن بعضهم البعض في مناطق مختلفة تخضع لنُظم قانونية وإدارية متباينة.

الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: إفقار الفلسطينيين بشكل متعمَّد، مما يجعلهم في وضع شديد السوء بالمقارنة مع اليهود الإسرائيليين.

التقسيم بين مناطق منفصلة تخضع للسيطرة

في سياق إنشاء إسرائيل كدولة يهودية في عام 1948، أقصت إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهدمت مئات من القرى الفلسطينية فيما يرقى إلى مستوى التطهير العِرقي.

ومنذ ذلك الحين، عكفت الحكومات المتعاقبة على وضع قوانين وسياسات تضمن استمرار تفتت السكان الفلسطينيين. ويُحصر الفلسطينيون في معازل داخل إسرائيل، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي تجمعات اللاجئين، حيث يخضعون لنُظم قانونية وإدارية مختلفة. وأدى ذلك إلى تقويض الروابط العائلية والاجتماعية والسياسية بين التجمعات الفلسطينية، وقمع المعارضة المُستدامة لنظام الفصل العنصري، كما ساعد على تعظيم سيطرة اليهود الإسرائيليين على الأراضي والحفاظ على أغلبية سكانية يهودية.

ولا يزال ملايين الفلسطينيين لاجئين ومعزولين فعلياً عن أولئك الذين يعيشون في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال استمرار إسرائيل في حرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم وبلداتهم وقراهم.

نزع ملكية الأراضي والعقارات

منذ عام 1948، نفَّذت إسرائيل عمليات استيلاء قاسية وواسعة النطاق لتجريد الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم. وبرغم إن الفلسطينيين في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة يخضعون لنظامين قانونيين وإداريين مختلفين، فقد استخدمت إسرائيل إجراءات متماثلة لمصادرة ملكية الأرض في جميع المناطق. فعلى سبيل المثال، صادرت إسرائيل منذ عام 1948 أراضي في مناطق ذات أهمية استراتيجية تضم أعداداً كبيرة من السكان الفلسطينيين، مثل منطقتي الجليل والنقب، واستخدمت إجراءات مماثلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عقب الاحتلال العسكري الإسرائيلي في عام 1967. ومن أجل تعظيم السيطرة اليهودية على الأرض وتقليص وجود الفلسطينيين إلى أدنى حد، يُجبر الفلسطينيون على العيش في معازل منفصلة كثيفة السكان. وفي الوقت نفسه، سمحت السياسات الإسرائيلية بأن تُستخدم عمليات تخصيص أراضي الدولة التي تتسم بالتمييز بشكل شبه حصري لمنفعة اليهود الإسرائيليين سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

العزل والسيطرة

اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استراتيجية فرض الهيمنة من خلال قوانين وسياسات تتسم بالتمييز وتؤدي إلى عزل الفلسطينيين في معازل، استناداً إلى وضعهم القانوني وإقامتهم.

وتحرم إسرائيل المواطنين الفلسطينيين من حقهم في المساواة في الجنسية وفي الوضع، بينما يواجه الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة قيوداً شديدة على حريتهم في التنقل. كما تفرض إسرائيل قيوداً على حق الفلسطينيين في لم شمل الأسرة، وذلك على نحو يتسم بالتمييز العميق. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الفلسطينيون من أهالي الأراضي الفلسطينية المحتلة الحصول على الإقامة أو المواطنة من خلال الزواج، بينما يُتاح ذلك لليهود الإسرائيليين.

وتفرض إسرائيل قيوداً شديدة أيضاً على الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين، بغرض قمع المعارضة والحفاظ على نظام القمع والهيمنة. فعلى سبيل المثال، لا يزال ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية خاضعين للحكم العسكري الإسرائيلي ولأوامر عسكرية قمعية معتمدة منذ عام 1967.

الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

كان من شأن تلك الإجراءات أن تجعل الفلسطينيين مهمَّشين يعانون من الفقر ومن أوضاع اقتصادية سيئة في شتى أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعملت السلطات الإسرائيلية طوال عقود على تخصيص الموارد بشكل يتسم بالتمييز لمنفعة اليهود من مواطني إسرائيل داخل إسرائيل والمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما ضاعف من جوانب عدم المساواة هذه. فعلى سبيل المثال، يعيش ملايين الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي القدس الشرقية في مناطق مكتظَّة بالسكان وأقل تطوراً بوجه عام وتفتقر إلى ما يكفي من الخدمات الأساسية، مثل خدمات جميع القمامة، والكهرباء، والمواصلات العامة، والمياه، ومرافق البنية الأساسية للصرف الصحي.

ويعاني الفلسطينيون في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل من قلة الفرص المتاحة لكسب الرزق والاشتراك في أعمال تجارية بالمقارنة بالفرص المتاحة لليهود الإسرائيليين. كما يعانون من قيود تتسم بالتمييز في الوصول إلى الأراضي الزراعية واستخدامها، والحصول على المياه والغاز والنفط وغيرها من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى قيود على توفر خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.

وبالإضافة إلى ذلك، صادرت السلطات الإسرائيلية الغالبية العظمى من الموارد الطبيعية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك لصالح منفعة المواطنين اليهود في إسرائيل وفي المستوطنات غير القانونية.

الحياة في ظل نظام الفصل العنصري

محرومون من بيوتهم: عمليات هدم المنازل والإخلاء القسري

يتعرض الفلسطينيون بشكل ممنهج لعمليات هدم المنازل والإخلاء القسري، ويعيشون في حالة مستمرة من الخوف من فقدان منازلهم.

وعلى مدى ما يزيد عن 73 عاماً، هجّرت إسرائيل قسراً تجمعات فلسطينية بأكملها. وهدمت مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين، مما تسبب في صدمة ومعاناة فظيعة لسكانها الفلسطينيين. وحالياً يوجد أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم، وتعيش الغالبية العظمى منهم في مخيمات للاجئين، من بينها مخيمات خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وهناك أكثر من 100 ألف فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى حوالي 68 ألف فلسطيني داخل إسرائيل، يتهددهم خطر وشيك بفقدان منازلهم، وكثيرون منهم يواجهون ذلك للمرة الثانية أو الثالثة.

ويجد الفلسطينيون أنفسهم في دائرة مفرغة. فإسرائيل تقتضي منهم الحصول على تصريح للبناء أو حتى لإقامة هيكل مثل الخيمة، لكنها نادراً ما تصدر لهم تصريحاً، على خلاف ما يحدث للطلبات المقدمة من يهود إسرائيليين. ومن ثم يُضطر كثير من الفلسطينيين إلى البناء بدون تصريح، فتعمد القوات الإسرائيلية عندئذ إلى هدم المنازل على أساس أنها بُنيت “بشكل غير قانوني”. وتستخدم إسرائيل هذه السياسات العنصرية في التخطيط وتقسيم المناطق من أجل خلق حالة معيشية لا تُحتمل بغرض إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم، ومن ثم إتاحة المجال لتوسيع المستوطنات اليهودية.

محمد الرجبي من سكان حي البستان في بلدة سلوان، هدمت السلطات الإسرائيلية بيته يوم 23 يونيو/حزيران 2020، على أساس أنه بُني “بشكل غير قانوني”. وقد وصف لمنظمة العفو الدولية الأثر المدمر لهذا الإجراء على عائلته، فقال:

من الصعب بشدة التعامل مع هذا الوضع، وربما يكون من الصعب أن أجد كلمات للتعبير عنه… وقد شعرتُ أن وقع الأمر على أطفالي كان أقسى من وقعه علينا. كانوا يشعرون بفرحة أن يكون لهم هذا البيت الجديد. سوف أحتفظ بصور ذلك اليوم، وأُريها لأطفالي عندما يكبرون، وذلك كي لا ينسوا ما حدث لنا. سوف أقول لهم: “هل ترون أي نوع من الذكريات احتفظتُ بها من أجلكم؟”. كان أملي بالنسبة لهم أن يكون لديهم بيت عائلي دافئ بالقرب من أحبائهم وأفراد عائلتهم. ولكن الآن، كل ما لدي هو أن أنقل إليهم ذكريات البيت الذي شهد أيام طفولتهم الأولى وهو يُهدم

محمد الرجبي، من سكان حي البستان في سلوان

تفتيت روابط المحبة: فصل العائلات الفلسطينية عن بعضها البعض

فرضت إسرائيل قوانين وسياسات عنصرية لتمزيق الحياة العائلية للفلسطينيين. فمنذ عام 2002، اعتمدت إسرائيل سياسة منع الفلسطينيين من أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة من الحصول على حق الإقامة في إسرائيل أو القدس الشرقية من خلال الزواج، مما يحرمهم من لم شمل العائلات.

ولطالما استخدمت إسرائيل قوانين وسياسات عنصرية لفصل الفلسطينيين عن عائلاتهم. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الفلسطينيون من أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة الحصول على حق الإقامة في إسرائيل أو في القدس الشرقية المحتلة من خلال الزواج، مما يحرمهم من حقهم في لم شمل العائلات. وأدت هذه السياسة إلى إجبار آلاف الفلسطينيين على العيش بعيداً عن أحبائهم، بينما أُجبر آخرون على مغادرة البلاد، أو العيش على الدوام في حالة من الخوف من إلقاء القبض عليهم أو إبعادهم أو ترحيلهم.

ومن الواضح أن هذه الإجراءات تستهدف صراحةً الفلسطينيين وليس اليهود الإسرائيليين، وأنها تستند بالأساس على اعتبارات سُكانية تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد داخل إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وُلدت سُمية وترعرعت في مدينة اللد في وسط إسرائيل. وفي عام 1998 تزوجت من شخص من سكان غزة، وانتقل للعيش معها في مدينة اللد. وفي عام 2000، بدأت سُمية وزوجها إجراءات لم شمل الأسرة كي يتسنى لهما العيش معاً بصورة قانونية. واستغرقت عملية لم شمل الأسرة 18 عاماً، سادت حياتهما خلالها مشاعر الخوف والقلق المستمر. وقالت سُمية لمنظمة العفو الدولية:

الحكومة تسيطر على كل تفاصيل حياتنا، فهي معنا داخل بيتنا، بل وداخل غرف نومنا. ومن أكثر الأحداث غرابة أنهم قبضوا على زوجي في عام 2004، بينما كنتُ ألد إحدى بناتنا. قبضوا عليه بينما كنتُ أنا في غرفة الولادة!

سمية

تحت الحصار

على مدى السنوات الأربع عشرة الأخيرة، عاش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة حصار إسرائيلي غير قانوني. وقد أدى الحصار، بالإضافة إلى أربع هجمات عسكرية كبرى، إلى آثار كارثية على أهالي غزة.

ويُعتبر الحصار شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، فهو يجبر سكان غزة، وأغلبهم من اللاجئين أو من أبنائهم وأحفادهم ممن فروا في عام 1948، على العيش في ظروف مزرية تزداد تدهوراً. وهناك نقص شديد في المساكن، وفي مياه الشرب والكهرباء والأدوية الأساسية ومرافق الرعاية الطبية، وفي المعدات التعليمية ومواد البناء. في عام 2020، سجلت غزة أعلى معدل بطالة في العالم، وكان أكثر من نصف سكانها يعيشون تحت خط الفقر.

وفي 30 مارس/آذار 2018، نظم الفلسطينيون في غزة “مسيرة العودة الكبرى”، وهي سلسلة من المظاهرات الحاشدة الأسبوعية، على طول السور الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل.

وكان أولئك الفلسطينيون يطالبون بحقهم في العودة إلى قراهم وبلداتهم فيما أصبح الآن دولة إسرائيل، وكذلك بإنهاء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. وكان الرد وحشياً. فبحلول نهاية عام 2019، كانت القوات الإسرائيلية قد قتلت 214 مدنياً، بينهم 46 طفلاً، كما أصابت أكثر من ثمانية آلاف آخرين بالذخيرة الحية. وفي حالة 156 من هؤلاء المصابين، تطلب الأمر بتر أطرافهم. ويحتاج أكثر من 1200 مريض فلسطيني إلى خدمات علاج وتأهيل طويلة الأمد ومعقدة وباهظة التكاليف، بينما يحتاج آخرون يُقدرون بعشرات الآلاف إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، وجميع هذه الخدمات لا تتوفر على نطاق واسع في غزة.

ويؤدي الحصار إلى منع الفلسطينيين من الحصول على الرعاية الصحية الكافية، وبخاصة العلاج الضروري لإنقاذ الحياة وغيره من أشكال العلاج الطبي في حالات الطوارئ، حيث لا يتوفر مثل هذا العلاج إلا خارج قطاع غزة. وكثيراً ما تؤخِّر السلطات الإسرائيلية منح تصاريح للفلسطينيين للحصول على العلاج خارج غزة، أو تمتنع تماماً عن منح التصاريح.

أدهم الحجار، صحفي مستقل يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في مدينة غزة. وبينما كان يغطي مظاهرات “مسيرة العودة الكبرى”، يوم 6 أبريل/نيسان 2018، أطلق قنَّاصة إسرائيليون متمركزون عند الجدار الفاصل بين غزة وإسرائيل النار عليه. وهو لا يستطيع الحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجها بسبب تردِّي الخدمات الطبية هناك. ويقول أدهم:

“الرصاصة اخترقت ساقي وخرجت، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد. لقد دخلت جسدي وأوقفت كل شيء، أوقفت حياتي. حدث هذا لمجرد أن جندياً ضغط على الزناد من دون أن يفكر إلى أي مدى يمكن للرصاصة أن تدمر حياتي. هل فكر ذلك الجندي فيما يمكن أن تسببه فعلته هذه؟ لقد أصبحتُ أسير مترنحاً مثل شخص ميت. لقد توقَّف كل شيء في حياتي منذ اللحظة التي اخترقت فيها تلك الرصاصة ساقي

أدهم الحجار

أنماط إجرامية

دأبت إسرائيل، بشكل منهجي طيلة عقود على ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية وغيرها انتهاكات من قبيل النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة، والإصابات الجسيمة، والحرمان من الحقوق والحريات الأساسية. ومن الواضح أن إدامة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي تتم من خلال ارتكاب هذه الانتهاكات، التي ينعم مرتكبوها بحصانة شبه كاملة من المساءلة والعقاب.

وتمثل هذه الانتهاكات جزءاً من اعتداء ممنهج وواسع النطاق موجَّه ضد السكان الفلسطينيين، وهي تُرتكب في سياق نظام إسرائيلي مؤسسي من القمع والهيمنة المنهجية على الفلسطينيين، ومن ثم فهي تشكل أركان الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري.

تفكيك نظام الفصل العنصري

لا مكان لنظام الفصل العنصري في عالمنا، فهو يُعد جريمة ضد الإنسانية ولا بد من إنهائه.

وقد نعمت السلطات الإسرائيلية بالإفلات من العقاب لفترة طويلة. وكان من شأن تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل على أفعالها أن يؤدي إلى استمرار معاناة الفلسطينيين كل يوم. وقد حان الوقت لرفع الصوت تنديداً بالانتهاكات، وللوقوف إلى جانب الفلسطينيين، ولتوجيه رسالة إلى إسرائيل مفادها أننا لن نتسامح مع الفصل العنصري.

ويطالب الفلسطينيون منذ عقود بإنهاء القمع الذي يعيشون تحت وطأته، وفي كل يوم يدفعون ثمناً باهظاً لمطالبتهم بحقوقهم، ولطالما ناشدوا الآخرين في شتى أنحاء العالم لدعمهم.

فلتكن حملتنا هذه هي البداية لإنهاء نظام الفصل العنصري الذي تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

انضموا إلينا في نضالنا من أجل العدل، والحرية، والمساواة للجميع.

طالبوا إسرائيل بتدمير الفصل العنصري وليس منازل الفلسطينيين

وقعوا العريضة